مقدمة
العلاج بالرسم هو أحد أنواع العلاج بالفن، وهو أحد العلاجات النفسية المساعدة في الجمع بين التواصل اللفظي والتواصل غير اللفظي (Gabriel et al., 2000). بمعنى، في الرسم قدرة في استعمال اللغة غير اللفظية لإيصال رسائل إلى الآخرين، حيث أنَّ الرسم هو عبارة عن رموز وصور وأشكال تحمل رسائل غير لفظية وبواسطتها يُمكن الجمع بين التواصل اللفظي الكلام وبين التواصل غير اللفظي مثل لغة الجسد، والرموز، والأشكال، وتعابير الوجه ولغة العيون وغيرها.
وتطور العلاج بالفن من نظريات التحليل النفسي ونظريات الشخصية، حيث في الرسم على سبيل المثال رسائل غير لفظية تُمثّل المشاعر والأحاسيس التي تظهر في رسومات الأفراد، لأنّ في الرسم إسقاط للمشاعر والعواطف في الرسومات. بمعنى، إن الرسومات هي انعكاسات لشخصية الفرد واهتماماته وصراعاته الداخلية (Brown et al., 2001)
يساعد العلاج بالرسم المسترشد في تحسين أحواله في جوانب مختلفة؛ النفسية، الاجتماعية، العاطفية والتواصلية.
لتوضيح فوائد العلاج بالرسم نعرض تأثير العلاج على كل جانب بصورة منفردة.
جوانب العلاج بالرسم
1. الجانب العاطفي والنفسي
يُمثّل العلاج بالرسم عملية إبداع مرئي وخلق شيء جديد لأشكال وصور فيها فائدة كبيرة من ناحية نفسية، لكون الرسم هو عملية إسقاط للمشاعر على الرسومات، مما يساعد في التخفيف من الحالات النفسية الصعبة للمسترشدين مثل مشاعر الحزن، والقلق، والتوتر. وفي دراسة أجريت لدى مجموعة من المسنين ومرضى “Dementia” ساعد الرسم في خفض مستوى الشعور بالاكتئاب والعزلة لديهم (Hannemann, 2006).
يساعد العلاج بالرسم المسترشدين في التعبير عن ذاتهم بصورة غير لفظية وبسهولة، ممّا يساعد في التخفيف من حالات الخوف والانفعالات والتخيلات (Rivera, 2008). بمعنى، بواسطة الرسم يسجل المسترشدين مشاعرهم وعواطفهم السلبية المكبوتة ليصلون إلى حالة من الراحة النفسية ومعرفة المعالج ما تحمل الرسومات من رسائل غير لفظية لمشكلات نفسية و/أو اجتماعية وسلوكية غير ذلك (Diehls, 2008).
وللعلاج بالرسم أهمية كبيرة في مساعدة المسترشدين الذين يشعرون بالإحباط أو تسيطر عليهم مشاعر سلبية، حيث يساعد العلاج بالرسم في التخفيف من حدة هذه المشاعر السلبية وزيادة المشاعر الإيجابية المتمثلة في الشعور بالسرور والبهجة والفرح (Petrillo & Winner, 2005). بمعنى، تحسين الحالة النفسية لدى المسترشدين لتصبح أكثر إيجابية عن طريق تفريغ الشحنات السلبية والمكبوتة وإعادة التوجيه.
2. الجانب الاجتماعي
يساعد العلاج بالرسم في تحسين حالة المسترشد الجسدية، والعقلية، والنفسية، والاجتماعية والتواصلية. فالرسم يحمل رسائل غير لفظية تُساعد في تقدير الذات وتحسين العلاقات الاجتماعية بين المسترشد وبين المُعالِج من جهة أولى، وبين المسترشد والآخرين من أفراد الأسرة أو الأصدقاء (Brodie, 2007; Victor, 2006; Wood, 2008). وفي دراسة أجريت لدى مجموعة من مرضى السرطان، ساعد العلاج بالرسم في تحسين قدرات التواصل الاجتماعي مع مرضى السرطان، حيث استطاعوا التعبير عن مشاعرهم وعواطفهم بالرسومات بصورة غير لفظية، وبذلك استطاع المعالِج معرفة وفهم الرسائل غير اللفظية في الرسومات وتتحسين العلاقة الاجتماعية معهم (Devlin, 2006).
يُعتبر العلاج بالرسم أحد أفرع العلاج التعبيري، وفيه يساعد المعالِج المسترشد في التعبير عن ذاته وعن مشاعرهم وعواطفه بصورة غير لفظية، بواسطة الرسم مما يسهل من عملية التواصل الاجتماعي بين المسترشد والمعالِج (Rivera, 2008). بمعنى، من خلال رسومات المسترشد فهم وإدراك المعالج الدوافع وراء هذه السلوكيات للمسترشد، مما يُسهّل في عملية التواصل معه وبصورة أفضل.
3. الجانب العقلي
للعلاج بالرسم فوائد عديدة وفي جوانب مختلفة من ضمنها الجانب العقلي_المعرفي، فالقدرات الفنية في الرسم تتطور وتتحسن فيحمل رسائل غير لفظية عديدة وفقًا لمستوى التطوّر الفني والعقلي (Victor, 2006; Wood, 2008). إضافةً لذلك، يهدف العلاج بالرسم مساعدة المسترشد في تفسير وفهم معنى ودلالة أعماله الفنية، وهذا الأمر يتطلب قدرات عقلية (Rivera, 2008). بمعنى، أنّ التطور من ناحية فنية يرتبط كثيرًا في التطور والنمو العقلي للمسترشد، لأنّه يتطلب من المسترشد قدرة عقلية لفهم تفسير المعالِج لمعاني ودلالات رسومات المسترشد (Diehhs, 2008).
من الدراسات السابقة يُمكن الوصول إلى النتائج التالية:
1. يعتبر الرسم وسيلة نافعة ومفيدة للمسترشد في التعبير عن مشاعره وعواطفه المكبوتة. والتعبير عنها بالرسومات ليكون التنفيس والوصول إلى راحة نفسية وتخفيف حدة الانفعالات.
2. العلاج بالرسم يحمل رسائل غير لفظية عديدة وتعطي مؤشرًا للصراعات الداخلية الموجدة عند المسترشد.
3. يساعد العلاج بالرسم الذي يعبّر عنه بصورة غير لفظية في التقدم بالعلاج النفسي الذي يعتمد بالأساس على الجانب اللفظي (الكلام).
4. يُمكن الاستفادة أكثر من العلاج بالرسم إذا صاحبته ورافقته علاجات أخرى مثل العلاج السلوكي والعلاج الأُسري.
5. تظهر الفائدة الكبيرة في العلاج بالرسم لدى مجموعة المسترشدين الذين لديهم مشكلات في التواصل بصورة لفظية.
6. يساعد العلاج بالرسم في توفير بيئة آمنة للمسترشد من جهة أولى ويعكس أيضًا مدى تقدم المسترشد في سيرورة العلاج.
7. من الفوائد المرجوة والظاهرة في العلاج بالرسم هو تقوية الجانب التواصلي الاجتماعي، حيث يساعد العلاج بالرسم من فهم الرسائل غير اللفظية المُعبر عنها في الرسومات لتُسهّل على المعالج في فهم الدوافع لسلوكيات ومشكلات المسترشد، ممّا يُسهّل ويقوّي التواصل الاجتماعي بينهما.
8. في العلاج بالرسم فوائد نفسية كبيرة، حيث يساعد العلاج في التخفيف من حدّة المشاعر السلبية، مثل: العزلة، والغضب، والتوتّر، والحزن، والقلق، والإحباط.
طرق العلاج بالرسم
يُمكن الإشارة إلى الطرق التالية في العلاج بالرسم:
1. العلاج الفردي.
2. العلاج الجمعي.
مَنْ يحدّد طريقة العلاج هو المعالِج بعد تشخيصه للحالة ومعرفة احتياجات ومشكلات المسترشد والطرق المناسبة لضمان علاج ناجح ومناسب لمشكلته.
في العلاج الفردي يتم العمل بصورة فردية: المعالِج مقابل المسترشد، ولهذا من المهم أن تكون علاقة إيجابية وطيبة بين الاثنين تتمثل بالثقة والأمان والمهنية، لضمان علاج مفيد وناجع للمسترشد.
أمّا في العلاج الجمعي، فيتم العمل مع المسترشدين بصورة مجموعة بمساعدة معالج مهني ومتمرس في هذا المجال. وفي العلاج داخل المجموعة فائدة كبيرة، حيث نستفيد من تعاون بين أفراد المجموعة، وتلقي ردود فعل على سلوكيات الآخرين والشعور بالأمن والأمان، لكون مشكلة المسترشد ليست مشكلة خاصة له. وهناك مشكلات مشابهة لمشكلته، وقد تكون أصعب من مشكلته، مما يشعره بالتعاطف وتقوي لدى المسترشدين العلاقات الاجتماعية، وتخفف من حدة مشكلاتهم النفسية والتواصلية، وتُسرّع في عملية العلاج.
اترك تعليقاً